يطيب لي أن أحيطكم علمًا بأن الأستاذ المخلص والمجتهد يكسب تلامذته شغفًا وتميزًا وفخرًا بما يجود به عليهم من علمٍ وفهم سواء أكان ذلك في الترجمة أو في غيرها. وما زلت أحمد الله على شغفي بالترجمة وشغفي بمعلميي الأجلاء الذين خالطتهم ولمست فيها ما لمست من رقيٍ وسمو وتميز وإبداع.
ورشات عملٍ ملهمة
شرفني الله بالحصول على تدريبٍ استقيت فيها بعضًا من عصارة عباقرة الترجمة ومنهم دكتور عصام فايز. كان دكتور عصام فايز محاضرًا في كليتي وفي الجامعة الأمريكية، وفي الحقيقة، كان الرجل أنيقًا متألقًا في مظهره ومنطقه وعلمه. لكن كانت للرجل هيبةٌ لا توصف. ولا أخفيكم سرًا أني كدت أموت خوفًا يوم دخلت عليه في امتحان الترجمة الشفهية. لكنه أذهب الخوف مني وذكرني بمحاضرةٍ له فاجأني فيها بأسئلته وحضي على المشاركة. مضى الاختبار وكان أسعد أيام حياتي لأني أحسنت ترجمة هذه الفقرة: "سخطني الله وأماتني ما فعلتها"، كما قال لي أستاذي يومها: "أحسنت." عندها ترجمتها إلى "May Allah strike me dead if did it."
كذلك، اكتسبت من دراستي في هذه الكلية حبًا عظيمًا للترجمة التي جعلتني مثقفًا في دروبٍ شتى من السياسة والاقتصاد والفقه وتكنولوجيا المعلومات. وأذكر أنني ما عرفت قطاع غزة ووضعه المميز الخاص في فلسطين إلا في الكلية. وتفاجأت حينها أن ترجمتها Gaza Strip. وبعدها عرفت للمرة الأولى في حياتي أن هناك الضفة الغربية West Bank لذلك أسميت مرحلة الكلية "مرحلة ورش العمل" التي ساعدتني في اتقان الترجمة وتصحيح الأخطاء واكتساب المزيد من المهارات والخبرات. الآن هيا نبدأ الدورة مع المبحث الأول.
المبحث الأول: ربط اللفظ والمعنى بالثقافة والسياق والدلالة والمقام
يجب أن نعلم أن الترجمة تفرض علينا الاستزادة من الأخبار والعلوم والثقافات المختلفة. وهذه مكملات إضافية ومستلزمات أساسية إلى جانب اتقان اللغتين (اللغة المصدر واللغة المستهدفة). لذلك، يجب علينا أن نبحر في اللغتين ونكتسب من ثقافات ناطقيها وخبراتهم ومعرافهم بما يحقق لنا اتقانًا لا يسمح لنا بأن نفلت شيئًا من النص بسياقه ولفظه وجوهره وثقافة مصدره. يعني هذا أن ندقق في نقل النص الإنجليزي إلى اللغة العربية بكامل هيئته ودلالته قدر الإمكان. لكننا إن شعرنا بمشقة في ذلك أو تعذر علينا بلوغ الأمر بجميع أركانه في بعض الأحيان، فمن الممكن حينها أن نجتهد قدر الإمكان ونضبطه بالشكل الذي يرضينا بقدرٍ ما.
المهم، هيا بنا نستعرض شيئّا مما تحدثنا عنه ونطبقه عمليًا في بعض النصوص المترجمة لندرك الحكمة والغاية منها:
It’s hot! I think there’s underground water in this place. Let’s think how we can reach it.
ترجمها كثيرون:
الجو حار وأعتقد أن ثمة مياه جوفية في هذا المكان. هيا نفكر في كيفية الوصول إليه.
لا شك أن هذه ترجمة بسيطة ولن ترهقنا في البحث عن أصول اللغة والثقافة والسياق الذي قيلت فيه، لكننا قد نغير رأينا عندما نعلم ما خفي من سياق النص وما خفي كان أعظم.
A- Behold her! She’s really beautiful.
B- Sure. It’s hot! I think there’s underground water in this place. Let’s think how we can reach it.
والآن انظروا إلى هذه الترجمة:
أ. انظر إليها. هي جميلة بحق.
ب. حقًا هي كذلك، لكني أرى أننا سنعثر على نساء أخريات كثيرات تصلح للزواج في هذا المكان. هيا نفكر في كيفية الوصول إليهن.
سنتناول هذا الفن بحذافيره ولن نتركه حتى نطرق باب الترجمة الأدبية ويا له من باب.